الطريق الأول
إذا نظر الانسان إلى نفسه وما يصل إليه إدراكه ، ولاحظ أجزاءه وذراته ،
وجد أن عدم أي جزء منه ليس بمحال ، وأنه بذاته ليس بضروري الوجود ولا
بضروري العدم ، وكل ما أمكن وجوده وعدمه فهو محتاج إلى سبب يوجده ، نظير
كفتي الميزان المتساويتين ، لا يمكن أن ترجح إحداهما على الأخرى إلا بعامل من
الخارج ، نعم الممكن إنما يحتاج إلى السبب في وجوده ، وأما عدمه فبعدم ذلك
السبب
وبما أن كل جزء من أجزاء العالم محتاج في وجوده إلى سبب يعطيه الوجود ،
فمعطي الوجود له ، إما هو نفسه ، أو مثله من سائر الموجودات ، أما نفسه
فالمفروض أنه فاقد للوجود ، فكيف يكون معطيا لما يفقده ، وأما مثله فكذلك ،
لا يمكنه أن يعطي الوجود لنفسه ، فكيف يعطيه لغيره ، وهذا الحكم الجاري على
كل جزء من أجزاء العالم ، يجري على كل العالم أيضا
وكما أن ضياء الفضاء الذي ليس له نور في ذاته دليل على وجود مبدأ لذلك
الضياء يكون الضوء ذاتيا له ، وإلا لما أضاء ذلك الفضاء ، لأن ما كان مظلما في ذاته
يستحيل أن يضئ نفسه ، فضلا عن غيره
ومن هنا كان وجود الكائنات وكمالات الوجود - كالحياة والعلم والقدرة
دليلا على وجود مبدأ يكون وجوده وحياته وعلمه وقدرته ذاتيا له غير مستند
إلى غيره { أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أنه دخل عليه رجل فقال له : يا
ابن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم ؟ فقال : " أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك
لم تكون نفسك ، ولا كونك من هو مثلك
وسأل أبو شاكر الديصاني الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ما الدليل على أن لك صانعا ؟
فقال : " وجدت نفسي لا تخلو من إحدى الجهتين ، إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة ، أو صنعتها وكانت
معدومة ، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومة
فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا ، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين
إن الشئ الذي لم يكن ثم كان ، إما أن يكون قد أوجد نفسه ، أو أوجده غيره ،
فإن كان هو أوجد نفسه ، فلا يخلو إما أن أوجد نفسه عندما كان موجودا أو أوجد
نفسه عندما كان معدوما ، فإن كان الأول يلزم إيجاد الموجود ، وهو محال ، وإن كان
الثاني يلزم علية المعدوم للوجود ، وهو محال أيضا
وإن كان الموجد له غيره ، فإن كان ذلك الغير مثله غير موجود ثم وجد ،
فحكمه حكم ذلك الشئ بلا فرق
لذلك ، تقضي ضرورة العقل بأن كل شئ لم يكن موجودا ثم كان ، لابد أن
يكون له موجد ليس للعدم إلى ذاته سبيل
وبهذا يظهر أن كل موجودات العالم وتطوراتها دليل على وجود موجد لها
ليس له موجد ، وأن كل المصنوعات والمخلوقات دليل على وجود خالق وصانع
غير مخلوق ولا مصنوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق